كتبت إيريكا سولومون من القاهرة أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة في الدوحة ومدينة غزة أثارت قلق الدول العربية الأقرب إلى إسرائيل، إذ رأت هذه الدول في استهداف قادة حماس بقطر ثم اجتياح غزة إشارات إنذار تهدد أمنها المباشر.
ذكرت النيويورك تايمز أن هذه التطورات أعادت رسم خريطة المخاوف في المنطقة. فقد أدارت دول مثل مصر والأردن وتركيا علاقتها المعقدة مع إسرائيل طوال الحرب على غزة عبر اتصالات سياسية حذرة، لكنها باتت الآن تنظر إلى إمكانية امتداد الخطر إلى أراضيها.
أثار قصف الدوحة في 9 سبتمبر غضبًا واسعًا، خصوصًا أن قطر حليف رئيسي للولايات المتحدة وتؤدي دور الوسيط الأبرز في محاولات إنهاء الحرب. ورأى خبراء أمنيون أن مصر والأردن وتركيا لا يمكنها تجاهل احتمال تعرضها لضربات مشابهة، ما يعكس تراجع القيود التي كانت تحد من سلوك إسرائيل في السابق.
جاء الهجوم على العاصمة القطرية متبوعًا بعملية برية واسعة في مدينة غزة المكتظة، حيث أجبرت القوات الإسرائيلية مئات الآلاف على النزوح جنوبًا. وأعلنت إسرائيل أن استهداف الدوحة جزء من استراتيجيتها لمنع وجود أي ملاذ آمن لحماس، بينما بررت التوغل في غزة بالسعي للقضاء على آخر معاقل الحركة.
أبدت القاهرة غضبًا خاصًا، إذ وصف رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي إسرائيل بأنها "عدو" في قمة طارئة بالدوحة، وهي أول مرة يستخدم فيها قائد مصري هذا التعبير منذ توقيع معاهدة السلام عام 1979. وأوضح رئيس هيئة الاستعلامات الرسمية ضياء رشوان أن ذلك الموقف جاء مقصودًا ليؤكد أن الأمن القومي المصري يتعرض لتهديد مباشر.
حذرت وزارة الخارجية المصرية من "مخاطر كارثية" مع تقدم القوات الإسرائيلية في غزة. وأكدت أن العملية تدخل مرحلة جديدة من الفوضى ناتجة عن "الغرور المفرط" لدى إسرائيل. وازدادت المخاوف المصرية مع احتمال نزوح أعداد كبيرة من الفلسطينيين نحو سيناء، وهو سيناريو تعتبره القاهرة خطًا أحمر قد يورطها في اتهامات بالمشاركة في تهجير الشعب الفلسطيني.
أشارت مصادر برلمانية مصرية إلى أن أي محاولة لدفع الفلسطينيين لعبور الحدود ستقابل بموقف حاسم. وأوضح النائب يحيى الكدواني أن الجيش المصري مستعد لاتخاذ إجراءات ردعية. وزادت التكهنات بعدما تناقلت وسائل إعلام إسرائيلية تقارير عن حشد عسكري مصري في سيناء، من دون تأكيد رسمي من القاهرة.
الأردن، الذي يرتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل ويجاور الضفة الغربية، يراقب التطورات بقلق مشابه. فعدد الفلسطينيين في الضفة يقترب من ثلاثة ملايين، وتخشى عمان أن تؤدي سياسات الضم الإسرائيلية إلى محاولة دفع هؤلاء السكان عبر الحدود نحو أراضيها.
أما دول الخليج، التي اعتبرت إيران خصمها الأول طوال عقود وفتحت قنوات تطبيع مع إسرائيل منذ عام 2020، فقد بدأت ترى في السلوك الإسرائيلي تهديدًا أكبر من طهران نفسها. وأكد الخبير الأمني ها. أ. هيلير أن المزاج يتغير بسرعة، وأن الغضب الشعبي العربي جعل إسرائيل تظهر كخطر مباشر على الأمن الإقليمي.
قطر التي لم تعترف رسميًا بإسرائيل لكنها احتفظت بقنوات تواصل معها خلال مفاوضات الهدنة، قطعت كل جسور العلاقة بعد الضربة. وذهب بعض جيرانها إلى خطوات أبعد من الإدانة اللفظية. إذ أعلنت السعودية عن اتفاق دفاع استراتيجي مع باكستان، يتعهد فيه الطرفان بالرد المشترك على أي اعتداء.
حلّل الباحث أندرياس كريج من جامعة كينجز كوليدج بلندن المشهد بالقول إن المنطقة تقترب من احتمال اندلاع صراع واسع شبيه بحروب العرب وإسرائيل بين 1948 و1973. وأضاف أن كل تصعيد جديد يزيد من خطر انخراط دول عربية أخرى، بعدما كان الصراع محصورًا لعقود في مواجهة إسرائيل والفلسطينيين فقط.
رأى كريج أن الجماهير العربية، المشتعلة غضبًا من الحرب في غزة، باتت تنظر إلى إسرائيل كتهديد جماعي للأمة العربية. وأكد أن هذا التحول في الرأي العام يضغط على الحكومات، حتى تلك التي ارتبطت باتفاقيات تطبيع.
هكذا، يكشف المشهد الحالي أن معادلة الأمن الإقليمي لم تعد كما كانت. فالهجمات الإسرائيلية على قطر وغزة لم تقتصر على تأجيج الغضب الشعبي، بل دفعت الحكومات إلى مراجعة حساباتها الاستراتيجية، وسط شكوك متزايدة في جدوى الاعتماد على الولايات المتحدة لضمان استقرار المنطقة.
https://www.nytimes.com/2025/09/22/world/middleeast/arab-israel-conflict-regional-palestinians.html